سلام الربضي: باحث
ومؤلف في العلاقات الدولية\ اسبانيا
بادئ ذي بدء، علينا أن نحاول تصويب المنهجية الفكرية، انطلاقاً من أن مسألة
المنهجية تكتسب أهمية استثنائية وجوهرية،عند التعامل مع قضايا متعددة الأبعاد
وشديدة الحساسية والتعقيد. ومن بين الأمثلة العديدة على الأفكار الخاطئة، فيما يتعلق بمصطلح العلمانية والتي يمكن الاستشهاد بها،
يوجد نموذج مُعبر،على شاكلة:استبدال مصطلح العلمانية بمفهوم الدولة المدنية. إذ
نعتقد أن الحقيقية المنهجية والفكرية،أعمق وأبعد من تلك
الاستبدالية الزائفة؟ وبالتالي، فأن التلاعب بالمعاني
وتفتيتها، محاكاة معكوسة للوجه الآخر من الإشكالية، المتمثل في
التطرف الديني، المستند إلى معرفة حتمية مغلقة؟
كما أن هذه المرحلة الفكرية والسياسية
الحرجة، تتطلب منا عدم اللجؤ إلى طرق غير منطقية أو عملية. فطبيعة العلاقة بين النخب
والمجتمعات تستوجب بالدرجة الأولى،التنبه إلى عدم محاولة استمالة أرباب المنطق البسيط أو المتطرف،من خلال اللعب على
المفردات والاصطلاحات. فبناء المجتع العربي الحديث، يستوجب التحلي بالمعرفة
العلمية الرصينة والصريحة، والتي تتجاوز الوقوف عند الأفكار المتشددة أو المشاعر الضيقة
للأفراد. فلا بد من كشف الحقائق الموجودة،
كما هي في الواقع، ومحاولة قول ما هو جديد. وفي هذا المجال، من المهم بمكان ما، بل من المستحب، السخرية من هؤلاء الذين
يحاولون التوفيق أو التلفيق، ما بين القرائن العلمية الواقعية مع الانطباعات الشعبوية والصياغات العامة،
التي لا يفصل بينها أو بعضها عن البعض الآخر،
شيء من الأهمية.
ولمحاولة فهم هذا الاستبدال يمكن لنا الاستعانه بمفاهيم الشك والتساؤل والفضول أو الحشرية المعرفية. فالمعرفة لا تؤدي إلى يقظة، إذا لم يصاحبها حس نقدي، وتساؤلي حول هذا الاستبدال. وهو الذي يحتمل
تعقيدات لا يمكن إلا للتفكير النقدي وحده، كشف خلفياته
وغاياته. فهذا الاستبدال، هو عباره عن مجرد قناع
يريد تزيف الحقائق، ولا يوجد به أفق في النظر، لتجاوز هذا
الواقع؟
فبدل هذا الاستبدال في المصطلح، يمكن مواجهة الواقع بشكل واضح،من خلال طرح التساؤلات التالية:
1- هل العلمنة نوعاً من لعبة نتيجتها صفرية فلا بد
أن يربح طرف على حساب الآخر؟
2- هل يمكن تصور بناء مجتمع حديث لمواجهة التحديات،
من خلال تأكيد أفكار غامضة
وحقائق
مشوهة ومشوشة، حول مصطلح العلمانية؟
3- هل علينا بدل التلاعب بالمصطلحات التفكير بكيفة وإمكانية
التحول في ثقافتنا من المقدس إلى
الإنساني؟
يبدو لنا، وفيما لو تم استمرار هذا التلاعب والاستبدال، وعلى ضوء مقاربة
معطيات ما يسمى بالثورات العربية ( التطورات العربية) وهي القائمة على أرضية من الفراغ
الفكري، والتي ليس فيها يقين في أي شيئ، فهو تعبير بل ودليل على أن هذا الصراع الفكري سوف يستمر إلى ما لا نهاية. فبكل
بساطة بات كل شيء في مجتمعاتنا مقدس، حتى الطوائف والأفكار والملل أصبحت مقدسة، وكل آخر مختلف عن الآنا هو كافر. بينما التردي الاجتماعي والاقتصادي
والثقافي والتكنولوجي، وتحسين حقوق الإنسان، وإنقاذ مئات الملايين من العرب من الفقر والأمية،هي خارج عن نطاق التقديس
أو الحرية ؟
وبالتالي، من المنطقي استخدام مصطلحات واضحة تعكس حقيقة الأوضاع، لمواجهة
تعقيدات انتقاد من يخلطون الدين
بالسياسة، ويجعلون من أفكارهم
البشرية طروحات مقدسة ( والتي على كل من يعارض تلك الأفكار ولو حتى من زاوية
الطروحات الاقتصادية والاجتماعية، تحمل ضغوط مضاعفة، لأنهم
بنظر هؤلاء، يحاربون الشرعية السماوية المقدسة) إذ يستوجب علينا تجنب وتغيير هذه الأساليب والممارسات المبهمة
أو الملتوية، أن لم نقل المهادنة. لنأخذ بزمام المبادرة،
ولنستخدم المصطلحات كما هي ذات العلاقة، دون أي تهاون أو مجاملة.
من أجل إعادة الفكر الإنساني إلى موضعه الصحيح بعيداً عن مأزق أيدلوجيات التقديس التي تمتاز
به مجتمعاتنا الشرقية.والتي نتج عنها أن تحولت التعددية الثقافية المجتمعية، إلى عوالم وكانتونات مغلقة. وللأسف، يبدو أن الحدود الفاصلة بين تلك العوالم، هي حدود فكرية ثقافية، ونفسية انحطاطية؟
فلا شكّ في أنّ ثمة حاجة ماسة إلى إعادة النظر في
العديد من المصطلحات المستعملة في مجتمعاتنا إذ أن ما يهددنا من مشكلات حاضرة، أهم بكثير من طرح مصطلاحات استبدالية
مثالية. فلا مستقبل لمجتمع يحاول الهروب من الواقع، ويلجأ إلى الاستبدال دون النظر في
الحقيقة والمصير. فمقاربة الإشكالية على هذا النحو،هي الأشكلة بعينها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق