سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
الاستقلالات الوطنية، يجب أن تبقى، تقسيماً جغرافياً فحسب، وليس تقسيماً
حضارياً بفوارق أساسية. وإن كان للتاريخ عبر، على صعيد إشكالية العلاقة بين الدين
والدولة، ففي طليعة هذه العبر ما يلي :
1- ربط الدين في أيدي الحكام: يؤدي حتماً إلى استغلال الدين لأغراض
سياسية.وهذا واقعنا الحالي.
2- إذا تغلب دين على دين: يعني تحويل أتباع الدين الثاني إلى سكان درجة ثانية. والمساواة
غير ممكنة في مثل هذا الإطار.
3- داخل كل دين يوجد اختلاف: خاصة إذا ما تم الجمع بين السلطة
الدينية والدنيوية، في يد حاكم من فئة دينية معينة. وبالتالي، يقال حكماً
وهابياً،علوياً،شيعياً سنياً، مارونياً..إلخ.
4- النظام الذي يجمع ما بين الدين والدولة : لا يمنع ذلك الصراع القائم بين الطامعين بالحكم
سواء كانت عائلة أو الرعية أو حتى أقرب
المقربين.
5- وضع الدين في الحكم : يجمد المجتمع ويمنع ويوقف التطور.
6- إن أي بلد لم ينص دستوره على دين للدولة : يتحول الدين إلى عنصر تفجير
مجتمعي، وتخلف سياسي، لأنه من المستحيل إرضاء أتباع كافة الأديان. ولبنان خير مثال
على ذلك.
كل تلك الحقائق والعبر، المتشبعة، والمتضاربة، بحاجة لتقييم. ولقد جرى
الكثير من النقاش والحوار حولها، وتحت عناوين مختلفة: الإسلام والحداثة، الإسلام
بين الذات ومنجزات العصر، الإسلام بين الماضي والمستقبل، الإسلام بين راحته
الفكرية المألوفة وبين الأفكار الأخرى المختلفة، مسيحية، ليبرالية، ماركسية،
تكنولوجية. وإلى يومنا الحاضر، لم يستطع العرب والمسلمون، الإجابة بوضوح وبصورة
حاسمة عنها. بل على العكس، فهناك بلبلة فكرية سائدة وغالبة على كل ما يطبع، وما
يعتقد وما ينشر في هذا المضمار.
وهذه الاتجاهات هي اليوم في أشد أزماتها، صراع ظاهر وخفي، صامت وصاخب، فكري
وعسكري وأمني وثقافي. وخير مثال على ذلك، ما تعانيه المذاهب الإسلامية حالياً، من
خلافات فيما بينها، أو داخل المجتمع الإسلامي بشكل عام، ما بين معتدل وأصولي وسلفي
وأخواني وليبرالي. كما لا يمكن تجاهل، أحدى أهم الاضطرابات الفكرية السائدة في
وقتنا الحاضر، وهي القائمة على إشكالية كيفية التعامل مع الآخر، وللأسف أكثر
تحديداً الآخر ليس الأجنبي غير العربي فقط، بل هو هو أيضاً، المواطن المسيحي
العربي، كما هي حال مصر وسوريا والعراق ولبنان.
إننا نواجه عصراً، سقطت فيه الحواجز، واتصلت الشعوب بعضها ببعض، اتصالاً لا
انفصال فيه، تتداخل فيه، وسائل الإعلام البصرية والسمعية، المقروءة والمكتوبة حيث
الثقافات ممزوجة ومتداخلة ومتواصلة. وعصرنا يشهد ولادة ثقافة بشرية، مشتركة، لا هي
مسيحية فحسب، ولا هي إسلامية فحسب، لا هي ماركسية فحسب، ولا هي ليبرالية فحسب، لا
هي روحانية فحسب، ولا هي مادية فحسب، ولا هي تجريدية فحسب، ولا هي تكنولوجية فحسب.
إنها ثقافة الإنسان وكل إنسان، ثقافة الإنسانية وكل الإنسانية، وكل محاولة
للانفصال عن هذا التيار العالمي الجارف محاولة يائسة أو مضيعة للوقت وهدر للجهود.
ويبدو إن كل تلك العبر التي يعلمنا إياها التاريخ أو الواقع الحاضر، لا
تترك أمامنا سوى سبيل واحد، ألا وهو النظام العلماني أو المدني. نظام الحرية
الدينية والكرامة الإنسانية، القائم على حياد السلطة الديني، وإعطاء الحرية
الدينية للفرد. وبالتالي، فصل الدين عن الدولة. إذ إن فصل الدين عن السياسة ضرورة
تعلمنا إياها التجارب، وبما فيه التاريخ العربي، فالعلمانية هي احدى أهم الشروط الأساسية
لمواكبة ركب الحضارة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق