2012-06-16

إيران نموذجاً لكيفية التخطيط الاستراتيجي









 Salam al rabadi



إيران على مستوى التخطيط المستقبلي، باتت متيقنه، أنها لا يمكنها امتلاك اقتصاداً قوياً من دون ضمان أمن وتنوع الطاقة، لتأمين معرفة وقدرة نووية سلمية لأجيالها المقبلة. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار إيران نموذجاً لكيفية التخطيط الاستراتيجي التي تقوم به الدول، سواء على صعيد التخطيط الداخلي أو في طبيعة خياراتها الاستراتيجية الخارجية، والتخطيط لأدارة الأزمات ومواجهتها.

فمن الواضح، أن إيران تتبنى عبر التخطيط الاستراتيجي، رؤية خلاصتها، إعادة البناء في مختلف المجالات. ويمكن الاستنتاج أيضاً _ بدون تحفظ _ إن الإمكانيات البشرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية والعسكرية، المتوفرة في إيران، تلعب دوراً هاماً وفعالاً في ذلك، بحيث تنتزع إيران دور الشريك الفعال، في تقرير مصير المنطقة. وهذا ما تحاول إيران عبر التخطيط الاستراتيجي، إيجاد الشروط الموضوعية لتحقيقه. وفي هذا الإطار، يمكن مقاربة واقع التخطيط الاستراتيجي الإيراني من عدة جوانب :


1- الجانب العسكري




التخطيط الاستراتيجي العسكري الإيراني، قائم على أن يتم تصنيع احتياجات القوات المسلحة الإيرانية من التجهيزات محلياً، بالاعتماد على القدرات الذاتية. حيث تم إنتاج نوع جديد من المضادات الأرضية المصنعة محلياً، قادرة على إطلاق 1100 قذيفة خلال دقيقة. وإيران أصبحت واحدة من بين أربع دول، قادرة على صناعة هذا السلاح الجديد. وقامت إيران باختبار الجيل الثالث، من الطائرات الإيرانية الصنع بشكل تجريبي. وتوصلت إلى تقدم في مجال صناعة الطائرات المقاتلة، منها طائرات "اذرخش" و"الصاعقة" ذات التقنيات العالية. والقوة الجوية الإيرانية، تخطط وتعمل على تطوير  الطائرات المقاتلة في الداخل، من دون الاستعانة بخبرات أجنبية. كما ويتم تصنيع في الجيش الإيراني، رادارات يمكنها رصد تحليق الطائرات مهما كان نوعها، وهذه الرادارات تعمل بتقنيات متقدمة جداً، صنعتها الكوادر المتخصصة الإيرانية.





2- الجانب العلمي 




التخطيط النموذجي قائم في إيران على القدرات الذاتية الايرانية، انطلاقاً من تحقيق الهدف الاستراتيجي في أن يكون للجمهورية الإسلامية، وجود ناشط وفاعل في مجال البحث العلمي . وفي مجال البحث العلمي احتل العلماء والباحثين الإيرانيين، مكانة بارزة في إصدار ونشر المقالات العلمية. هذا الواقع عن الرؤية التخطيطية الاستراتيجية للدولة يعبر عنه، وفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي درست مستوى نشر إيران للمواضيع والابحاث العلمية حتى العام 2010.

وهي الآن من بين البلدان ألـ45 الأولى من حيث نوعية تعليم الرياضيات والعلوم. كما أنها بين أعلى 20 دولة في حجم إجمالي النتاج العلمي. وهي رائدة أيضاً، في أبحاث الخلايا الجذعية. كما أنها واحدة من البلدان القليلة، التي أرسلت قمراً صناعياً إلى الفضاء. وفي إطار تصورها المستقبلي للحاق بركب التقدم والتطور والتخطيط نحو مستقبل أكثر تقدماً، تقدمت بخطوة كبيرة على مسار التميز في مجال الفلك والفضاء. وإيران تتقدم بشكل لافت، في مجال تكنولوجيا النانو، بحيث تخطط أن تقفز للمرتبه 15 مع حلول العام 2015 .وتخطط للوصول في حجم الصادرات النانوتكنولوجي، إلى مبلغ 20 مليار دولار في العام 2015،فيما لو استطاعت حيازة 1% فقط من حصة السوق العالمية .

ويبدو أن الحكومة الإيرانية،  تخطط  لتكون  إيران مركزاً إقليمياً علمياً، في مجالات الطب والفضاء والطاقة النووية. ومن الجدير ذكره، الدور الذي تلعبه المؤسسة الدينية للتشجيع على البحث العلمي، وخلق المناخات المناسبة. حيث تم اصدار فتاوي من أعلى المراجع الدينية، لأباحة إجراء أبحاث الاستنساخ على الحيوان لأغراض علمية. وإستطاع العلماء في إيران في استنساخ أول نعجة، ويخطط العلماء الإيرانيون لإجراء المزيد من أبحاث الوراثة والاستنساخ، باستخدام خلايا حيوانية.




3- الجانب الاقتصادي





 الاقتصاد الإيراني المغلق تقريباً، سمح لهذا البلد بحماية قاعدته الصناعية من المنافسة الأجنبية. واليوم، تصنّع إيران معظم احتياجاتها الصناعية والاستهلاكية، ومن أهمها صناعة السيارات. واعتمدت إيران في ردّها على العقوبات الأميركية والدولية المستمرة، سياسة ذات شقين:

أولاً : إنها تميل بشكل متزايد نحو الشرق والجنوب في محاولة لزيادة علاقاتها مع الاقتصاديات الناشئة في مختلف أنحاء العالم.

ثانياً : أنتجت الكثير من الإصلاحات الاقتصادية ذات الأولوية في الحاجة الماسة إليها. وذلك،عبر إعادة هيكلة برامج خطط المشاريع المدعومة حكومياً، واعتماد سياسة أكثر تحفظاً بشأن الاقتصاد الشمولي. وكنتيجة لذلك، فإن نظام العقوبات –المصمم لإحباط خطط البلد الاقتصادية- قد فشل في تقييد السياسة الخارجية لإيران . 

ووفقاً لتقارير البنك الدولي، فإنّ "المؤشرات الاجتماعية في إيران مرتفعة نسبياً، مقارنة بالمعايير الإقليمية. وكانت معدلات الفقر، أكثر من النصف بين عامي 1998 و2005، وانخفضت إلى 3.1% . هذا على الرغم من الاعتراف ببعض السلبيات على صعيد مقاربة واقع الفقر في ايران.كما تحسنت المستويات الصحية في البلد، إلى حد كبير على مدى السنوات العشرين الماضية. وهي الآن تحتل المرتبة المتقدمة في معدلات المستويات الصحية لدول المنطقة. بالإضافة إلى أن إيران، لديها نظام حماية اجتماعية واسعة لنحو 28 نوعاً من التأمينات. ولدى إيران واحد من أسرع معدلات النمو في مؤشر التنمية البشريةhdi . واستناداً إلى تقارير البنك الدولي، لقد تم النظر في برنامج إيران لتنظيم الأسرة في العقدين الماضيين، اعتبر من أفضل الممارسات الدولية، لأن إيران نجحت في خفض معدلات الخصوبة من 4.8 إلى 1.8 ولادة خلال السنوات 1990-2010.




4_ الجانب السياسي




لقد تمكّنت إيران نتيجة الاستراتيجية المحكمة، من فرض سيطرتها ووجودها في أهمّ المحاور الإستراتيجيّة الحسّاسة على المستوى الدولي والإقليمي. فبالإضافة إلى القدرات العسكريّة الإيرانيّة، إيران أصبحت من اللاعبين الأساسيّين في المنطقة، خاصّة في الملف العراقي، وتحديداً، بعد فشل الولايات المتحدة الأميركيّة من السّيطرة على الوضع الأمني والسّياسي في العراق  _ والانسحاب الأمريكي من العراق مع بداية العام 2012  هو خير دليل على ذلك _  وغالباً ما يتمّ الحوار بين الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران حول الملف العراقي. وكذلك، إيران على تحالف إستراتيجي مع سوريا، ومن الداعمين لحركات المقاومة، في فلسطين ولبنان. وبالتالي، من المتعذر إنكار الدور الإيراني الحيوي، في فلسطين ولبنان والعراق والخليج، عند رسم  أية تسوية أو استراتيجية مستقبلية، لمنطقة الشرق الأوسط.

وكما هو معـروف، هناك أساليب عـديدة للتفاعل الأستراتيجي، مع الأزمات وإدارتها. حيث تحاول إيران عبر اتباع وتطبيق التخطيط المدروس في صراعها مع الغرب، زيادة مكاسبها وتخفيض خسائرها، إلى أقصى حد ممكن، وذلك عبر إستخدام استراتيجيات محددة، في إدارة الأزمات والمفاوضات، من خلال عدة خطوات :

أ- تحديد الإستراتيجيات المتناسبة مع ظروف وشروط الأزمة .أي إتقان كيفية الإستفادة من إدارة الأزمة والمفاوضات لتحقيق تأثيرما تريده.

ب- الدمج بين ثلاث أنواع من الخطط في إدارة المفاوضات في وقت واحد. أي الجمع في آن واحد بين كل من : التنازع – التحالف – الإعداد للتفاوض أوالصراع . وهذا ما نجده حاصل في طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة في افغانستان والعراق ووفلسطين ولبنان وسوريا ومنطقة الخليج. مما اعطى إيران القدرة على إيجاد تصور شامل فى أي عملية تفاوضية أو تساومية للسيطرة على تتابع الأحداث. 





5- الملف النووي الإيراني






التاريخ يعلمنا أن الدول التى تستخدم مبدأ الدمج في التخطيط الاستراتيجي، هي الدول التي نجحت فى عدم الدخول فى الطريق المسدود . والأزمة بين إيران والولايات المتحدة، التي باتت تعـرف بالملف النووي الإيراني، يمكن مقاربتها على صعيد التخطيط، من زاوية الدروس المستفاده فى إدارة الصراع. وتبدو دلالات التجربة الإيرانية بالغة الأهمية فى مختلف المجالات. فهي من ناحية تجربة معاشة ليس فقط بالمعنى المباشر للتعبير، ولكن بالمعنى الاستراتيجي الذى يكشف أبعاد وملامح القوة فى الصراع الدولي الآن، كما هى تجري أمام أعيننا الآن، وفق نمط من الصراعات والمناورات بما يقدم النموذج العملي والمدرك، على إمكانية  تحقيق النجاحات عبر التخطيط الاستراتيجي المتقن .

فمن الدروس المستفادة في التخطيط الاستراتيجي على صعيد أدارة المفاوضات ومواجهة الأزمات، يمكن ذكر الآتي :

1-  التجربة الإيرانية أثبتت أن الوضع الدولي الضاغط  ليس بالامر الحتمي للتنازل. فمن خلال الرؤية الاستراتيجية والتخطيط المنطقي تمكنت إيران - حتى الآن - من البدء فى تخصيب اليورانيوم. كما حصلت على الوقت والظروف الكافية من خلال تحركاتها المرسومة بخطط متقنة.

2-  القرار الاستراتيجي لا يعرف إلا الحسابات والخطط الاستراتيجية. ووضوح الأهداف يُمكن من الإقدام على تكتيكات سياسية، قد تكون متناقضة وحادة التقلب،لكنها تظل صحيحة.

3-  التغييرات السياسية الداخلية هي جزء يجب أن يكون متناغماً مع الأمن القومي، والثوابت الاستراتيجية، المحددة للدولة. فمن الخطأ تصور أن يمكن الفصل بينهما، وهذا ما تحاول إيران فعله عبر التخطيط الاستراتيجي، للتقدم في كافة المجالات .

4-  أن التخطيط لأي مشروع وطني، إذا كان محدداً ومدروساً ويحظى بإجماع شعبي ومحددة خططه، فإن التغييرات السياسية داخل المجتمع حتى وأن تقلبت داخل أو بين النخب السياسية، فإنها تظل فى داخل نطاق الأهداف الوطنية. بمعنى آخر، إن التعددية داخل المجتمع - فى إطار وحدة الأهداف والاستراتيجية - إنما هى تصب فى المصلحة العامة، للمجتمع والدولة. فعلى سبيل المثال، فمع وجود الرئيس الأصلاحي محمد خاتمي، لفترة ثماني سنوات في الحكم، لم يغير ذلك شيئا في الاستراتيجية العليا لإيران، على صعيد برنامجها النووي أو في علاقاتها الاستراتيجية.



 jordani-alrabadi@hotmail.com




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com