صدر مؤخراً عن مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية العدد السادس من مجلة "مدارات استراتيجية". ويحتوي العدد - كما عوّدت المجلة قرائها في أعدادها السابقة - على كمٍّ وافرٍ وغنيٍّ من المقالات والتحليلات المهمة والثريّة، أُخرِجت في قالب فني مميز.
في البداية، تطرقت "افتتاحية العدد" التي كتبها رئيس تحرير المجلة، الدكتور أحمد عبدالكريم سيف، إلى البيئة الأمنية المتغيرة التي تحيط بمنظومة الأمن في منطقة الخليج، ويرى فيها أن الترتيبات الجديدة في المنطقة تميل لغير صالح الدول العربية التي تبدو وكأنها الخاسر الأكبر. مشيراً إلى أن صانع القرار العربي بات يواجه سؤالاً صعباً وهو: كيف يمكن تقليل الخسائر عوضاً عن تعظيم المكاسب؟ ويذهب إلى أن أحد البدائل - وليس أفضلها - الدخول في ترتيبات أمنية جديدة لأمن الخليج تضم ثلاث منظمات أو هياكل: أولها، مجلس التعاون الخليجي ببعديه الإستراتيجيين اليمن والعراق. والثانية، المحور الإقليمي الثلاثي (إيران- تركيا- إسرائيل)، أما الثالثة والأخيرة فتتمثل في حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة.
وقد توزّعت مقالات العدد، التي كتبها نخبة من الباحثين والكتاب اليمنيين والعرب والأجانب، في عدة أبواب موضوعية، يتقدمها تبويب "اليمن والعالم" الذي احتوى على عدة تحليلات ووجهات نظر مختلفة. وفي البداية، يُحلل محمد سيف حيدر حادثة "الطرود المُفخخة" التي تبناها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مؤخراً وما خلفته من شظايا، ويخلص بعد تحليل مطول إلى أن ما بدا أنها "غزوة" لم تكتمل لتنظيم القاعدة الذي أخذ يستنزف طاقاته ودهائه شيئاً فشيئاً، أطبقت بظلالها القاتِمة على اليمن واليمنيين لسببٍ ليس لهم يد فيه؛ في حين تشرح السفيرة الأميركية السابقة باربرا بودين في مقال ضافٍ لماذا يجب على واشنطن إعادة التفكير في اليمن، مُقدِّمة توصيات أكثر واقعية للسياسة الأميركية تجاه هذا البلد؛ ويحاول أحمد علي الأحصب توضيح هل اليمن بحاجة للمساعدات الخارجية، وكيف يمكن إدارتها بطريقة تراعي الضرورات والإمكانات؛ في حين يعرض جرهارد ليشتنثيلر صورة أكثر قرباً لمشكلة المياه التي تواجه اليمن؛ أما جون إشياما فيبحث في سياق مقارن واقع خلفاء الأحزاب الشيوعية في كل من اليمن وأفغانستان بعد نهاية الحرب الباردة.
أما في زاوية وجهات نظر، فيقدم أحمد عبدالكريم سيف رؤية عملية مقترحة لإعادة التوازن لعلاقة السلطة والمجتمع في اليمن؛ وتلقي شيماء أحمد منير الضوء على ظاهرة العبودية التي كشف مؤخراً عن وجودها في بعض مناطق البلاد، مُبينة أهمية دور الدولة ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأخرى في القضاء على هذه الظاهرة غير الإنسانية؛ بينما يقوم طارق عبدالله الحروي بمُساءلة طموحات اليمن للانضواء في مجلس التعاون الخليجي، مجادلاً بأن مساعي دوائر صنع القرار اليمني للحصول على عضوية المجلس لا تتعدى مسألة تعظيم المكاسب الاقتصادية في محاولة لرفد مسيرة البلد التنموية المنشودة، أكثر منها محاولة ذات طابع استراتيجي، هدفها فرض وجود اليمن في المعادلة الإقليمية الخليجية.
وقد تضمن باب "المراقب الاستراتيجي" على مقالة رئيسية أعدها الباحث خالد أحمد الرماح، تطرقت إلى واقع وتحديات انفصال جنوب السودان، والتداعيات الإقليمية المتوقعة لهذا الحدث المهم. في حين اشتمل باب "في بؤرة الاهتمام" على مقالات ثلاث: أولهما لهاني المغلس، يبحث فيها بعض جوانب العلاقة الملتبسة بين السلطة العربية والعلماء، ويثير الأكاديمي العراقي محمد الدعمي في المقالة الثانية قضية "التصحّر الحضري"، ويتساءل عن الأسباب التي جعلت البادية تهيمن على المدينة في عالمنا العربي المعاصر؛ في حين يعرض الباحث الفلسطيني محمد أبو غزله، في المقالة الثالثة، لأهم الدروس المستفادة عربياً من تجربة ماليزيا النهضوية.
أما باب "جيوبوليتيك" فقد احتوى على مقالتين، أولاهما للخبير الصيني وو شينبو يشرح فيها الانعكاسات الجيوسياسية للأزمة المالية العالمية، فيما يتطرق المحلل الأميركي بيتر شولك إلى مشكلة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي. وتضمن باب "اتجاهات عالمية" مقالات مكثفة لكل من سلام الربضي، ومراد ظافر، وعبدالغني الماوري. كما اشتمل العدد أيضاً على نقاش متعدد الوجهات ضمن "المائدة المستديرة" لهذا العدد، تناول قضية التدخل الأجنبي في المنطقة.
وإلى جانب باب "الفهرست" الذي يحتوي على مراجعات للكتب وعروض موجزة، جاء المقال الاختتامي للمجلة الذي يحمل عنوان "أفق"، وفيه خصّ وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي مجلة "مدارات استراتيجية" بمقالٍ يذكر فيه بالمسئولية المشتركة التي نتحملها – كأفراد ودول - في عام جديد، من أجل مستقبل أفضل لعالمنا وللبشرية جمعاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق