سلام الربضي، باحث في العلاقات الدولية
تثير تركيا في حركتها الناشطة إقليمياً لتصفية الخلافات وعقد التفاهمات، أسئلة متباينة الاتجاهات من قبيل :
هل تسعى تركيا إلى محور إستراتيجي يجمعها بسوريا ويبعدها عن إسرائيل؟
هل خيار تركيا الاستراتيجي قائم على رغبتها في تراكم الإحلاف للتقدم إستراتيجياً؟
تساؤلات تطرح ولا تكون الإجابة عليها ممكنة، إلا انطلاقاً من التذكير بمسلمات أساسية وتحليل الوقائع مما يساهم في فهم المشهد المستجد في العلاقات الإقليمية التي تنسجها تركيا. فمنذ وصول الإسلاميين للحكم في تركيا تحاول الحكومة التركية القيام بجهود دبلوماسيّة بارزة لتدعيم العلاقات التركية مع العالم الإسلامي والعربي، والتي شابها الكثير من التوتر بسبب تنامي العلاقات الإسرائيليّة التركية خاصة في أعقاب إبرام اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين عام 1996 ، وأهم ما جاء فيها أن يشترك جيشا البلدين في أي معركة تحدث بين احداهما ودولة ثانبة، مما يسمح لإسرائيل بزيادة عمقها الإستراتيجي .
حيث قامت أنقرة بتسوية خلافاتها مع سوريا وأصبحت هي الوسيط في مفاوضات السلام بين إسرئيل وسوريا كذلك عملت على توثيق علاقتها التجارية مع سوريا من خلال الغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. هذا وقد وقعت سوريا وتركيا إعلاناً مشتركاً لتأسيس مجلس للتعاون الإستراتيجي ويشمل المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والنقل والطاقة ومجالات المصادر المائية والبيئية والثقافة والتعليم والعلم كما تم الاتفاق على إلغاء التأشيرات والسمات المتبادلة على سفر المواطنين بما يسمح للمواطنين في كلا البلدين بالتنقل بينهما دون إجرائات على الحدود .
وتاريخياً العلاقات السورية التركية مرت بمراحل متأزمة في أواسط وأواخر التسعينات ومنها على سبيل المثال: اتهام تركيا لسوريا بدعم حزب العمال الكردستاني ، ومنها أيضاً الخلاف المائي بين البلدين.والجدير ذكره أن تركيا مازالت مسيطرة على لواء الاسكندرونه الذي احتلته عام1939 من سوريا. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية التي أصابت العلاقة بين سوريا وتركيا في العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم ولكن :
هل يمكن القول أن البلدين قد تحررا من الصور والمدارك النمطية التي كانت سائدة بينهما؟
هل التقارب الحالي يوصلهما إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية القابلة للاستمرار؟
أن استشراف العلاقة بين الدولتين عمل محفوف بالمخاطر وبمثابة تأمل استباقي للمستقبل، لأسباب تتعلق بخلفيتهما التاريخية وسياستهما الخارجية، بالإضافة إلى البيئة الإقليمية والدولية وبيئتهما البينية. فهي تنمو في ظل بيئة إقليمية مخترقة وهشة، على الرغم من التفاصيل والتعليقات اليومية والكتب العامة المنجزة سريعاً، والتي تجعل القارئ يظن انه يفهم ما يدور بين الجارين بمجرد الاطلاع عليها.
وتتركز العلاقات التركية السورية في الشؤون الإقليمية والدولية فن دائرتي نشاط رئيسيتين هما :
1- المنطقة العربية وما يربطها بالصراع العربي الإسرائيلي.
2- العلاقة بأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
أنّ الانفتاح العربي على تركيا قد ساعد على إعادة الدّفئ في العلاقات العربية التركية. ولقد جاءت الخطوة السّياسيّة والدبلوماسيّة العربية في تأييد وصول تركي لرئاسة الأمانة العامة لمنظمة العمل الإسلامي محاولة ناجحة نحو اعطاء تركيا دور على المستوى الإقليمي والإسلامي حيث تم اختيار التركي كمال الدين إحسان أوغلي أمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
وعلى الرغم من انزعاج إسرائيل كثيراً من العلاقات الإستراتيجية الجديدة بين تركيا وسوريا من ناحية، وعلاقاتها المتميزة مع إيران والعراق من ناحية أخرى، فإن تلك البلدان لم تحتج على طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، ولم تضع علاقة تركيا وإسرائيل في الميزان. إذ بدا الأمر طبيعياً خاصة وأن الكثير من الدول العربية ترتبط باتفاقيات وبعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل بشكل علني كمصر والأردن، أو بشكل خفيّ وغير مباشر أحيانا كبعض دول الخليج العربي ودول المغرب العربي .
وتركيا تسعى وبكل جدية لاحتلال موقع متقدم في الشرق الأوسط كانت قد افتقدته منذ قرن تقريباً، وهي تأخذ بعين الاعتبار النفوذ الأمريكي في المنطقة. كما هنالك قوى إقليمية وعالمية قد ترى بالتقارب التركي من سوريا باعتباره محاولة قد تؤدي إلى تشتيت جبهات المقاومة المدعومة من إيران.
ولكن يبقى دون هذا الطموح الإستراتيجي عوائق لا يستهان بها، منها :
1- ما يعود إلى طبيعة العلاقة.
2- ومنها ما يعود إلى الإستراتيجية السورية.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات فإن سوريا ترى قوتها تكمن في ذاتها واتساع مروحة تفاهماتها تحالفاتها، الآمر الذي يمنعها من الدخول في عملية الإستبدال ويدفعها في عملية التراكم التحالفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق