سلام الربضي \ باحث ومؤلف في العلاقات الدولية
صحيفة العرب اليوم \ عمان
16-10-2010
إنّ التأكيد على يهوديّة إسرائيل "إسرائيل الجديدة" بالمعنى الإثني الأيديولوجي له مخاطره على حقّ العودة وعلى عرب 1948 . وإسرائيل تسعى دائماً لاقتاع العالم بأنّ مساحتها البالغة21 ألف كيلومتر مربع هي مساحة لا تساوي شيئاً إزاء مساحة العالم العربي البالغة 14مليون كيلومتر، وبالتالي لا بدّ من إسهام الدول العربية في حل مشكلة الحيّز الديمغرافي بين إسرائيل وجيرانها في فلسطين.
وتنظر إسرائيل إلى مفهوم الدولة اليهودية ليس كدولة تشمل المواطنين اليهود داخل حدودها، بل هي أيضاً الناطقة بأسم جميع اليهود المنتشرين في مختلف بلدان العالم والمدافع الأول عن مصالحهم. وهي الدولة الوحيدة التي يمارس فيها التطابق في شكل كامل بين الدين والقومية ويتم فيها اتباع معايير وأدوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية حيث ينشغل القادة الإسرائيليون بالسؤال :
من هو اليهودي؟ وليس من هو الإسرائيلي؟
وتكمن الخطورة في هذا الموضوع من الناحية الإستراتيجيّة أن تتمّ المقايضة من قبل إسرائيل بين تعويض لليهود الذين غادروا الوطن العربي من العام 1948 بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. وممّا يؤكّد هذا التّوجّه العودة إلى محادثات كامب دايفد في تموز2000 حيث خلق الرّئيس الأميركي بيل كلينتون ربطاً مباشراً، بين حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقوق اللاجئين اليهود الذين اضطرّوا إلى مغادرة دول عربية، ومن بينها العراق وقد اقترح انشاء صندوق دولي يعالج مطالب اللاجئين العرب واليهود.
وتركز الحكومة الإسرائيليّة والوكالات الدوليّة اليهوديّة منذ عام 2002على قضية التعويضات. وقد تمّ انشاء مركز معلومات في وزارة العدل الإسرائيليّة في أيار 2002 متخصّص في ممتلكات اليهود الذين غادروا البلاد العربية سواء كانوا موجودين في إسرائيل أو في باقي دول العالم.
وتشير الدراسات إلى أنّ عدد اليهود في الدول العربية وصل إلى ما يقارب 700ألف نسمة من العام1950 . وعلى سبيل المثال لا الحصر، يبلغ عدد اليهود الذين غادروا العراق خلال الفترة التي تلت حرب 1948 ما بين 130 _150 ألف نسمة، وتمّ جذب ما يقارب 240 ألف يهودي من المغرب بعد عام 1948. كما يبلغ عدد اليهود من الجزائر الذين تمّ جذبهم إلى إسرائيل في عهد بومدين ما يقارب 141ألف نسمة. ولقد غادر حوالي 50 ألف يهودي يمني في نفس تلك الفترة أي بعد حرب 1948، ولم يبق في اليمن سوى 250عائلة يهودية فقط.
وترغب إسرائيل ربط حق تعويض اليهود العرب في إسرائيل بحق تعويض اللاجئين الفلسطينيين. وهذا الرّبط هو بداية منظمه لتحقيق المصالح الإسرائيلية فيما يتعلق بقضايا حق العودة والتعويض، وبالتالي تهميش القرار 194 الذي يقضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار النفسيّة والماديّة التي لحقت بهم جرّاء طردهم من ديارهم مما يفتح الباب على مصراعيه أمام إسرائيل في تحقيق مصالحها المنبثقة عن ضعفها الديمغرافي والجغرافي.
ولقد ارتفعت في السّنوات الأخيرة وتيرة الحديث عن ملفات التعويض لليهود من أصول عربية. وفي إسرائيل أصبح هناك تيار سياسي تبنّّّته كل الجاليات اليهودية من أصل عربي في إسرائيل للمطالبة بتلك الحقوق. وهذه الحركة المدنيّة الداخليّة في إسرائيل لا تخرج عن إطار المصالح الإستراتيجيّة العليا لإسرائيل. فمثلاً في عام 2004، تمّ فتح ملف تعويض الليبيين اليهود عمّا فقدوه من ممتلكات لدى هجرتهم إلى إسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت ليبيا عن استعدادها للنظر في دفع مبالغ ماليّة لإنهاء خصومات تاريخية.
وفي سياق إستراتيجية إسرائيل المتعلقة بنعويضات اليهود العرب، فالهدف أيضاً هذه المرة أرض الكنانة والقضية قضية يهود مصر، فجاء التخطيط لعقد مؤتمر دولي ليهود مصر في القاهرة في شهر أيار من العام 2008 بمشاركة السفير الإسرائيلي بمصر. وخيراً فعلت السلطات المصرية عندما أحبطت هذه المؤامرة بعدم سماحها بعقد المؤتمر وهي كانت فعلت نفس الشيء عام 2006 فلم توافق وقتها على عقد المؤتمر العالمي ليهود مصر على أراضيها فعقد في جامعة حيفا تحت شعار نحن أبناء الخروج الثاني من مصر. وتحاول إسرائيل عبر هذه المؤتمرات المطالبة بتعويضات عما يسمى بممتلكات اليهود المصريين المهاجرين من أرض الكنانة، وضمن حملة منظمة اللوبي الإسرائيلي عالمياً تم الضغط على الكونغرس الأمريكي الذي أصدر قراراً يعتبر أن اليهود الذين غادروا بعض الدول العربية في حكم المهاجرين.
من الضروري الإقرار بأن تهويد فلسطين من البحر وحتى الحدود المفترضة للدولة الفلسطينية العتيدة هدف عقائدي اسرائيلي قائم في كل آن وحين، وإسرائيل اليهوديّة، مشروع إسرائيل المستقبلي والمصيري، هو الذي يحدّد طموح ورؤية المصالح الإسرائيليّة، وهو مشروع قائم على الأبعاد الدّيمغرافيّة والجغرافيّة. ويعتبر موضوع التعويض المادي والمعنوي ليهود العالم العربي بالنسبة لإسرائيل أحد أهمّ أوراقها المستقبليّة في إطار مشروعها إسرائيل اليهودية ، أو في إطار مفاوضاتها النهائيّة مع الفلسطينيّين لمقايضتهم مع حقوق اللاجئين الفلسطينيّين الذين صدرت في شأنهم قرارات دوليّة تضفي شرعيّة قانونيّة على حقوقهم، بعكس نظرائهم اليهود.
ستبقى إسرائيل حذرة في كشف أوراقها الاستراتيجيّة وفتح هذا الملف الآن خشية ظهور مطالب فلسطينيّة مقابلة لمطالبها، ممّا يضع الدّولة العبريّة في موقف حرج ولكن ورقة تعويضات اليهود العرب ستبقى ورقة إستراتيجيّة تخدم المصالح الإسرائيليّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق