2010-10-06

المسألة اللبنانية ليست بمعزل عن المسألة العربية








سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية


إحدى الحسنات التي تذكر للواقع اللبناني الحالي هي أنها عرت الوضع ودفعت باللبنانيين نحو مواجهة مباشرة ومكشوفة مع الحقائق التاريخية والتي يحاول البعض والبعض الاخر في فترات لطمسها والتسترعليها, وإخفائها تحت ألف ستار ودافع, وتارة أخرى تجد من يحاول الاستشهاد بها تحقيقاً لألف غرض مصلحة وغاية .

والإشكالية المتجذرة في لبنان قائمة على التساؤل حول انتماء لبنان الحضاري فهل فيه حضارة واحدة أم أن فيه تعدداً حضارياً؟

المسألة اللبنانية ليست بمعزل عن المسألة العربية، وبمعنى آخر، لبنان ليس بمعزل عن المحيط والعمق الطبيعي الذي يعيش، وبالتالي لا يمكن مقاربة هذه الإشكالية دون ربطها بعمقها وبعدها العربي، فمن خلال الحالة الواقعية للمشهد اللبناني الخاص والمتناثر ما بين الخصوصية والعروبة، وربطها بالفضاء الفكري العربي العام  يمكن لنا محاولة فهم هذه المعضلة :

أ- لبنان والتعددية الحضارية:

الإيمان بوجود تعددية حضارية رأي تبناه فريق لبناني تاريخياً، منطلقاً من الأقرار بأن يتابع لبنان اضطلاعه بالمهمة الحضارية الفريدة، التي هو مدعو للقيام بها تجاه نفسه وتجاه محيطه المباشر وتجاه العالم. ولذلك لا بد من اعتماد تعددية المجتمع اللبناني، بتراثاتها وحضارتها الأصلية، تعزيزاَ للولاء المطلق له، ومنعاً للتصادم بين اللبنانيين، بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه جميع شؤونها المالية والثقافية والتربوية خاصة فيما يتعلق منها بالحرية وعلاقتها الثقافية والروحية مع الخارج وفقاً لخياراتها الخاصة. فهناك حقيقة ثابتة، لا يجدي فيها الإنكار وهي أن لبنان مجتمع تعددي، يتألف من فئات تتمتع كل منها بخصائص حضارية وصيغة متميزة، وترقى إلى إثنيات عرقية متنوعة. ومن ميزات هذه الصيغة إنقاذ لبنان التعددي بحدوده الطبيعية الحاضرة وإعلان لبنان كوحدة تاريخية، جغرافية، سياسية، متعددة .

ب- لبنان الحضارة الواحدة:

تاريخياً هناك فريق لبناني آخر يتبنى نظرة لبنان الحضارة الواحدة ويبرهن على نظريتة ويحاول محاربة التيار الداعي لتقسيم لبنان . انطلاقاً من التمييز بين الحضارة والثقافة ، وأنه حتى لو أخذنا الحضارة بالمعنى )الأنتروبولوجي( فإن لبنان لا يمثل عدة ثقافات، وليس معنى ذلك أنه لا توجد في لبنان أي مشكلة بل العكس توجد مشكلة وهي سياسية بالدرجة الأولى. ويؤكد هذا التيار على حضارة لبنان الواحدة مركزاً على دور اللغة العربية، والتشديد على التراث العربي العلمي. ومن خلال العرض التاريخي يرى هذا التيار أن هناك "هوية سياسية مارونية"، نمت في منتصف القرن التاسع عشر، ويعتبر أن أول التنظير الأيديولوجي حول الخصوصية اللبنانية، جاء على يد البطريرك الحويك. وفي هذا التيار من يعتقد بأن أستقلال لبنان هو مجرد تسوية سطحية طائفية، وأن القوى السياسية التي حكمت لبنان، لم تكن مجرد قوى طائفية بل طبقية أيضاً. والحل يكمن في نضال وحدوي على أساس طبقي من أجل تجاوز وحدة الطوائف .

ج- المسألة اللبنانية وعلاقتها بالوطن العربي:

إذا نظرنا إلى الخارج لرأينا أن العالم لا ينظر إلى مجموعة البلدان العربية إلا نظرته إلى بلد واحد. ولا يعطي العالم الخارجي لأحد البلدان العربية أهمية، إلا بمقدار ما هو عريق، ويمثل وجهة نظر سائر البلدان العربية أو لا يمثل.  فالوجود التاريخي والسياسي لكافة أقطار الوطن العربي، وجود عربي واضح.وفكرياً يمكن مقاربة العلاقة بين لبنان والعروبة من خلال طروحات رواد الفكر العربي ونذكر منهم على سبيل الذكر وليس الحصر: ساطع الحصري: رائد الدعوة العربية. ميشال عفلق: مفكر ذي عقيدة عربية تجسدت بحزب البعث العربي. والدكتور عصمت سيف الدولة: المنظر العروبوي الناصري الطليعي.

1- ساطع الحصري:

رداً على حقيقة التعدد الحضاري للبنان، فهو يعترف بوجود تعدد حضاري، حيث تأثر لبنان بحضارة البحر المتوسط كما تأثر بها العرب، وأن علينا أن لا نقصر نظرنا فقط على سواحل المتوسط. لأن قصر النظر على آفاق المتوسط يبعدنا عن تفهم روح العصر وتقدير ماهية الحضارة، ويدعو إلى الانفتاح الحضاري، وبكل ما في استطاعتنا، خاصة لاقتباس حضارة القرن العشرين، بأرقى أشكالها ومن أحسن مصادرها، معترفاً بأن الحضارة الغربية الحالية، مبهرة، وحضارة حية.

2- ميشال عفلق:

بالنسبة للمسألة اللبنانية يرى بأن مشكلة لبنان لم تطرح بشكل صحيح ونزيه، وأن أساس القضية هو في النظر إلى العروبة نظرة الإسلام، فالعناصر المسيحية تكافح العروبة بحجة أن معناها سيادة وسيطرة الإسلام. وبالتالي فإن واجب العرب الحقيقي نحو لبنان هو شرح معنى العروبة التي نعمل لها على أساس أنها عين ما يطلبونه ويطمحون إليه من وراء التهرب من العروبة. والحل برأي ميشال عفلق يتجسد بحل القضية اللبنانية على أساس سليم وصحيح ويتم ذلك من خلال أمرين:

- التخلي عن الحكم على العروبة بمقاييس هذه الدولة العربية أو تلك والرجوع إلى العقيدة القومية التي لم تتجسد بصورة كاملة في أي دولة.

- رفض تقسيم الشعب اللبناني داخل لبنان إلى قسمين مع أو ضد العروبة ومن خلال تلك الملاحظة يرى بأن لبنان أقل ابتعاداً عن العروبة من عدد الأقطار العربية.

3- الدكتور عصمت سيف الدولة:

حاول طرح مشكلة الأقليات القومية التي لم تحظى من الفكر العربي بالدراسة الكافية، وذهب على عكس الماركسيون والإسلاميون، وجماعة التسامح الديني، والقائلون بوجود مشكلة في النظام أو الاقتصاد، إذ إن مشكلة الأقليات القومية هي في جوهرها مشكلة تحرر قومي، إنها ليست مشكلة إنسانية تحلها المساواة، ولا تخلف فيحلها التعليم، وليست مشكلة حكم فتحلها الحكومة الديمقراطية، وليست مشكلة اقتصادية تحلها الاشتراكية إنها مشكلة تحرر أو حرية. ولا يصح أن ننكر على الأقليات القومية وجودها، وهو يدعو القوى الإسلامية إلى الجرأة وقبول الفئات الأخرى، حيث أن لها الحق بالاستقلال. 

واقعنا بحاجة إلى الكثير من التوضيح والتكميل. والجدل حول مفهوم الأمة، لا يغير، ولا يبدل من حقيقة وجود الأمة، المادي والروحي، وعلينا الوعي بإن الجماعة العربية كتشكيلة سياسية، ليست مجرد فكرة مجردة بل فكرة واقعية محددة ومجسدة بواقع الفكرة، وبالمظاهر الفعلية.  إذ لا يمكن أن يقوم أي شكل من أشكال الوحدة العربية على أساس عاطفي، أو ديني أو عرقي، وهذا يعني خلق الإنسان العربي متحرراً من كل الرواسب والسلفيات، والعصبيات وحتى الخرافات والأسطورات. وتلك هي الخطوة الأولى على طريق محاربة عملية الانزلاق في الإقليمية، كما يحدث الآن في كثير من البلاد العربية.

الإدعاء بالعصمة والكمال سذاجة ووهم، وعلينا الاعتراف بوجوب التطور والانفتاح، وهذا الموقف يملي علينا وجوب الإنعكاف على ذواتنا لنصل إلى حقيقة واقعنا، عن طريق المنطق، ولا نكتفي بالعاطفة طريقاً لها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

For communication and cooperation

يمكن التواصل والتعاون مع الباحث والمؤلف سلام الربضي عبر الايميل
jordani_alrabadi@hotmail.com