سلام الربضي \ باحث أردني في العلاقات الدولية
منبر الحرية بالشراكة مع معهد كيتو \ الولايات المتحدة الأمريكية
11-6-2010
http://www.minbaralhurriyya.org/content/view/1089/705
من الناحية العسكريّة الإستراتيجيّة لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الوقائع السّياسيّة والجغرافيّة من جهة والقدرات العسكريّة من جهة أخرى. فتضارب المصالح الاستراتيجيّة الإسرائيليّة مع القدرات الإيرانيّة المختلفة لا يمكن ايجاد حل عسكري له وفقاً للقاعدة العسكريّة الإستراتيجيّة الآتية: "لا يجب أن يقود المحاربون غمار الحروب من أجل تحقيق انتصار عسكري في حدّ ذاته، لأنّ هذا الأخير لا يغدو من دون تنازلات، والمكاسب هي عبارة عن انتصارات مؤقّتة ومرحليّة فقط" هذه النظرية في العلاقات الدولية والعمل العسكري هي للجنرال الألماني كارل فون كلاوسفيتز والذي يعتبر أن التوازن في العلاقات مابين الدول هو عبارة عن فترة استراحة فقط بانتظار لحظة أكثر ملائمة للعمل، وهذا العمل ليس عملاً عسكرياً بالضرورة. وبالتالي لا بدّ من التركيز على حقيقة إستراتيجيّة مفادها أنّ الأهداف السّياسيّة هي التي تحدّد طبيعة العمل العسكري، إذ لا يمكن تصوّر عمل عسكري دون تحديد أهدافه السّياسيّة. ومن هنا يطرح السؤال :
ما هي المكاسب الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في حال تمّت
مواجهة عسكريّة مع إيران سواء أكانت محدودة أم واسعة؟
من الأرجح أنّ أي عمليّة عسكريّة فيما إذا تمّت من الناحية العسكريّة، فهي قد تعطي إيران استثماراً في السّياسة على اعتبارها بلداً معتدى عليه وبالتالي تظهر مظلوميّتها أمام العالم خاصّة العالم الإسلامي. كما أنّ هذه العمليّة العسكريّة ليست بحكم المؤكد أن تؤدّي إلى القضاء على برنامج إيران النووي أو حتى إسقاط النظام. فعسكرياً الخيارات الإسرائيليّة قائمة بالدّرجة الأولى على ضربة عسكريّة تعتمد على الطيران الإسرائيلي والمسارات المفترضة لمثل هذا الخيار تمرّ عبر كل من:
أ- الأجواء التركية.
ب- الأجواء الأردنية .
ج- الأجواء العراقية.
كل مسار جوّي يتطلّب أثماناً إقليميّة يتوجّب على إسرائيل دفعها سياسياً. فالخيار الإسرائيلي على المسار الأردني العراقي أقل كلفةً على إسرائيل من مسار تركيا، الدولة الإقليميّة الكبيرة، التي لا بدّ من مراعاة حساباتها، وكذلك مكاسبها الإستراتيجيّة القوميّة في المنطقة. ومن الناحية العمليّة، لا تستطيع الطائرات الإسرائيليّة استهداف كل المنشآت النوويّة الإيرانيّة في غارة طيران واحدة بسبب مجموعة متداخلة من العوامل المختلفة:
أوّلاً: الصّعوبات اللوجيستيّة حيث إيران تبعد أكثر من 1600 كلم عن الحدود الإسرائيليّة، الأمر الذي يفرض على الطائرات الإسرائيليّة قطع مسافة 3200 كلم ذهاباً وإيّاباً، وهو أمر مستحيل دون إمكان التزوّد بالوقود في أراضي دولة ثالثة وما يترتب عليه من أعباء سياسيّة.
ثانياً: العامل الجغرافي المتمثّل بتوزيع المنشآت النوويّة في مساحة شاسعة في إيران يزيد من صعوبة مهمّة الطيران العسكري الإسرائيلي أو إطلاق الصواريخ بعيدة المدى.
ثالثاً: إيران تملك في جعبتها أوراقاً لا يمكن لإسرائيل أن تستهين بها ومنها:
(1)- صواريخ بعيدة المدى من طراز شهاب قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي كالصاروخ شهاب 3 الذي يستطيع أن يطال العمق الإسرائيلي وبقدرة تفجيريّة عالية (رؤوس نووية).
(2)- يمكن استهداف المنشآت العسكريّة في شمال إسرائيل انطلاقاً من مواقع حزب الله في لبنان وتجربة حرب تموز 2006 أثبتت قدرات حزب الله الصاروخيّة .
(3)- إيران تمتلك ورقة سلاح النفط الذي يمكن أن تستفيد منه كورقة ضغط على المنطقة والعالم بأسره في ظل ارتفاع حاد لأسعار النفط ممّا يعرّض مصالح الدّول الصّناعيّة للخطر.
(4)- الموقع الإستراتيجي الإيراني قادر على تعطيل حركة الملاحة في الخليج العربي.
(5)- إمكانيّة إيران استهداف القوّات الأميركيّة داخل العراق بعدّة طرق وأساليب مختلفة.
(6)- إنّ العمليّة العسكريّة بالغة التعقيد ولكن تبقى واردة الحصول على الرّغم من التوازن المتبادل إلى حدٍّ ما بين الطرفين.
لقد تمكّنت إيران من فرض سيطرتها ووجودها في أهمّ المحاور الإستراتيجيّة الحسّاسة على المستوى الدولي والإقليمي، وهذا بالطبع لا يخدم المصالح الإسرائيليّة فبالإضافة إلى القدرات العسكريّة الإيرانيّة، إيران أصبحت من اللاعبين الأساسيّين في المنطقة خاصّة في الملف العراقي بعد فشل الولايات المتحدة الأميركيّة من السّيطرة على الوضع الأمني والسّياسي بشكل كامل. وغالباً ما يتمّ الحوار ما بين الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران حول الملف العراقي. وإيران على تحالف إستراتيجي مع سوريا، وأيضاً من الداعمين لحركات المقاومة كحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في الجنوب اللبناني.
ويؤهل حجم الدولة الإيرانية وموقعها إلى الاضطلاع بدور قوة ينبغي أخذها في الحسبان ويمتد نفوذها إلى سوريا ولبنان والعراق وأذرييجيان إلى شمال القوقاز بالإضافة أبعادها الثقافية في كثير من دول الخليج. كذلك تتمتع بإمكانات اقتصادية لا يستهان بها خاصة في حقل الطاقة. وإيران تمتلك الدوافع والمقومات والامكانات اللازمة للعب دور مؤثر وفعال في دعم القضية الفلسطينية, وهي أحد أهم الدول الإسلامية وهذا واقعاً تفرضه الحقائق ويعترف به من قبل كل من يقرأ التاريخ ويتابع التحولات اليوم. وإيران تتمتع بموقع جيوسياسي مهم وغني بثروات طبيعية وإنسانية, وهي صاحبة نموذج سياسي يعتبر نموذجاً لحكومة دينية معاصرة يجمع بين معايير الحكومات المعاصرة وبين المبادئ الإسلامية.
فالإستراتيجيّة الإيرانية قائمة على مواجهة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة بعد احتلال العراق على عدّة محاور إستراتيجيّة تعرض عمق الأمن القومي الإسرائيلي العسكري والسّياسي والأمني للخطر الإيراني المباشر. ومن تلك المحاور المحور العراقي والمحور السوري والمحور الفلسطيني والمحور اللبناني.
أ- المحور العراقي: بعد احتلال العراق، تمكنت إيران من زيادة نفوذها الأمني والسّياسي هناك كما أنّ إيران كانت من أوائل المستفيدين استراتيجياً من إسقاط النظام في العراق. فالتغيّر الحاصل في ميزان القوى في منطقة الخليج بعد احتلال العراق صبّ بالدرجة الأولى في مصلحة إيران الإستراتيجيّة.
ب- المحور الفلسطيني: نتيجة حالة التفكك والأزمة التي يعيشها النظام العربي وسياسة إسرائيل الرّافضة لكل التسويات العادلة في المنطقة بالإضافة إلى سياسة القتل المستخدمة من قبلها في وجه الفلسطينيّين، أدّى ذلك إلى تحالف القوى الفلسطينيّة المقاومة مع إيران لتصبح إيران ذات نفوذ وتأثير في مصير القضيّة الفلسطينيّة وبالتالي الصّراع العربي الإسرائيلي .
ج- المحور السوري: هناك تحالف إستراتيجي إيراني سوري في ظلّ الحصار الدّولي والعربي الذي تعرّضت له سوريا خاصّة منذ اغتيال رّئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في العام 2005 وهذا التحالف الإستراتيجي يحمل أبعادًا سياسيّة وعسكريّة إستراتيجيّة بامتياز.
د- المحور اللبناني: بما لا شكّ فيه أنّ إيران الدّاعم الأساسي للمقاومة في لبنان، وهذا الدّعم بدأ منذ نشوء المقاومة الإسلاميّة في أواخر السّبعينات وازداد متانة بعد تحرير الجنوب والعمل على دعم قدرات حزب الله الدّفاعيّة. وهذا ما تجلى بالإمكانيّات العسكريّة ذات المستوى التي ظهرت بها المقاومة أبّان الاعتداء الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006.
وقد تكون الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان 2006 من جانب التقنيّة العسكريّة نموذجاً للقدرات العسكريّة الإستراتيجيّة في المنطقة ما بين التفوّق الالكتروني الإسرائيلي وتطوير إيران لقدراتها العسكريّة . وإن ما حل بالدّبابة "ميركافا" الإسرائيليّة الصّنع يمكن اعتباره نموذج لواقع هذا التنافس والتحدّي الإستراتيجي العسكري وحرب تموز كانت محاولة عدوانيّة فاشلة من قبل إسرائيل للقضاء على حزب الله وتوجيه ضربة مؤلمة للمصالح الإستراتيجيّة الإيرانيّة. ولكن استطاع لبنان وعن طريق المقاومة من إلحاق الهزيمة بإسرائيل. فالانتصار الذي حققه حزب الله، زعزع هيبة وأمن واستقرار إسرائيل معنوياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، وهذه الهزيمة تهدّد بقاء إسرائيل على كافة المستويات.
ومن خلال متابعة الأهداف الإسرائيليّة الإستراتيجيّة لا بدّ من التنبّه إلى أنّ إسرائيل لن تدع هذه الهزيمة تمرّ من دون ردٍّ، فهي تنتظر الفرصة السّانحة لإعادة الاعتبار لهيبتها المفقودة من خلال إعادة تجديد قدراتها العسكريّة والاستفادة من الحرب السّابقة من أجل شنّ حربٍ جديدة كما جاء في تقرير لجنة فينوغراد الإسرائيليّة. وإذا كانت هذه الحرب محاولة إسرائيليّة فاشلة لتحقيق مصالحها الإستراتيجيّة القائمة بالدّرجة الأولى على التخلص من خطر النفوذ الإيراني عليها.
Very good.
ردحذف