سلام الربضي \ باحث في العلاقات الدولية
صحيفة العالم العراقية
5 - 5- 2010.
كل الجهود التي يبذلها السياسيون والاقتصاديون للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في كافة القطاعات لم تحقق النتائج المرجوة. وكلما ازدادت وتيرة المتاجرة في البضائع والخدمات عبر الحدود الدولية بكل حرية، تزداد المصاعب في عالم العمل حيث هناك تقليص وترشيد يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته. كذلك لا توجد عولمة حقيقية ولو بالحد الأدنى فيما يتعلق بالعمل البشري، وعلى الرغم من حرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال لكن مختلف العراقيل والقيود توضع لمنع انتقال أو هجرة قوى العمل، وتزيد من الضغوط على عالم العمل الظروف الصعبة الداخلية لكافة البلدان على مستوى العمل.
العمالة أصبحت تعيش بين فكي كماشة نتيجة المنافسة الحادة ازدادت الضغوطات وازداد عدد العاطلين عن العمل كما أن الموازنات الحكومية تعاني من العجز وخاصة في أمريكا والدول الأوروبية مما انعكس سلباً على عالم العمل. ويلاحظ أن الدول بمعظمها تسير في هذا الاتجاه، ويبدو أن الكثير من الدول أضحت اليوم رهينة سياسة لم تعد تسمح بأي توجه آخر، وإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود هي التي تحقق النمو والرفاه، وفي حال تم تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية بألغاء القيود الكمية وتوحيد كافة الضرائب الجمركية وجعل العالم منطقة تجارة حرة عام2020.
فهل هذا المشروع سيؤدي إلى تعميق أزمة سوق العمل أم أنه سيكون بمثابة نقطة التغيّر والتحوّل؟ وإذا كانت الشركات هي المستفيدة من العولمة على مستوى تخفيض تكاليف الإنتاج فيما يتعلق بالأيدي العاملة فهل يستفيد العمال والنقابات من العولمة من إجل إيجاد إطار دولي عام لممارسة الضغوط واستعادة الحقوق؟
قوانين العمل والتجارة ساعدت الشركات على تحقيق أهدافها القائمة على الربحية العالية وهذه الاستراتيجية المعتمدة من الشركات، أي استراتيجية الربح المرتفع، تشكل سبباً جوهرياً في تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لقطاع العمل. ويجب الإقرار بحقيقة أن التجارة الحرة تنمو بمنأى عن سوق العمل بل إنها تترك آثاراً سلبية على سوق العمل.
ولا بد من الإشاره إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر في إطار التنمية: إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أي إشكالية النمو الاقتصادي فهل نحن في عصر الاقتصاد ومن أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟
التفاوت في توزيع الثروة في تفاقم مستمر وثمة تحولات جذرية باتت تنشر ظلالها على الحياة الاجتماعية. في الوقت الذي ترتفع فيه دخول الشركات وأصحاب الثروة بمعدلات تفوق معدلات نمو الناتج القومي الاجمالي بكثير، ظلت دخول العاملين بأجر عند مستوى متدن مقارنة بدخول الشركات، والنمو الاقتصادي لم يعد يترك أثراً يذكر على نمو دخول العمال مقارنة مع الشركات وأصحاب الثروات. ومن البديهي أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع ومُلاّك الثروة من ناحية ودخول العمال من ناحية أخرى إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته.
وبعيداً عن التنظير ووفقاً للإحصائيات والمعطيات حول الهوّة الاقتصادية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن النسبة الكبرى من المواطنين هم عمال أو موظفين يعملون بأجر فمن هذا المنطق يمكن القول إن الاقتصاد لم يعد يعمل لمصلحة الجمهور العام، والوقائع القائمة على مصلحة الجمهور هي المعيار الأساسي لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة.
لقد نتج عن التقدم التكنولوجي وما يصاحبه من استخدام التقنيات بدل الأيدي العاملة انخفاض نسبة حصة العمل من العائد المتحقق في الاقتصاد، بالمقابل فإن حصة رأس المال من العائد تزداد بشكل مطرد. ومستقبلاً فإن هذا الواقع سينعكس سلباً على مشاركة العمال في الحياة الاجتماعية. والمستوى المعيشي المعيشي لا يتوقف على الدخل الذي يحصل عليه المرء فقط، وهذه حقيقة تتأكد باستمرار، فانتفاع المواطن من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي يزداد كلفة وأمسى أكثر صعوبة أو على وشك أن يتلاشى كلياً. وإن احتدام المنافسة بين الدول سواء صناعية كانت أم نامية على خفض الأجور إلى أدنى المستويات لن يودي إلا إلى نتائج وخيمة وسوف ينشئ على مستوى العالم أجمع حركة لولبية تدفع الأجور إلى المزيد من الانخفاض، وهذا الانخفاض في الأجور لن يزيد من مجمل رفاهية العالم والمجتمعات. والرهان على خفض الأجور لن يؤدي إلى أكثر من تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم.
أن نقل الإنتاج إلى بلدان الأجور المتدنية يؤدي إلى خفض الأجور وهذا يؤدي إلى نتائج غير متساوية بين شريحتين اجتماعيتين. وهذا التخفيض في الأجور الذي ينعكس على أسعار السلع الذي سوف يستفيد منه بشكل مباشر المستهلك صاحب الدخل المرتفع الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج، في حين أن الطبقات المتوسطة والفقيرة سوف تخسر جزءاً من دخلها وهي التي سوف تكون أكثر تضرراً.
هذا الواقع يطرح إشكالية مَن يتحمل الأعباء: رأس المال أم العمل؟
الحكومات ترمي الأعباء الضريبية على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر، والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدمة للشركات ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية التي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. ومن أسباب اتساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء تقليص الأجور بالنسبة للعمال الذين لا يحصلون على تعليم عالٍ. وهذا الوضع أيضاً يعكس ضعف النقابات العمالية وتدني الحد الأدنى للأجور. وإذا كانت العبارة الأكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء هي القائلة: الأغنياء يزدادون غنى بينما الفقراء يزدادون فقراً، ولكن الآن في ظل الوقائع الحالية القائمة على تخفيض التقديمات الاجتماعية وإعطاء المزايا والإعفاءات الضريبية للشركات عبر الوطنية والأغنياء، لم تعد هذه العبارة تكفي لتوضيح الصورة.
من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على :
الأغنياء يصبحون أغنى والفقراء أفقر بمعدل أسرع.
لقد فاجئتنا السرعة الفائقة في توفير هذه المبالغ الخيالية لحل الأزمة المالية العالمية في العام2008 مقابل العسر الذي يعرف عادة في تمويل برامج متواضعة لفائدة الإنسانية. على سبيل المثال يكفي مبلغ المليار دولار سنوياً للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم كله، وقد أقرت الأمم المتحدة وفي نهاية الستينات من القرن الماضي برنامجاً لتحقيق هذا الهدف لكنه بقي حبراً على ورق لعدم توفر التمويلات الضرورية؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق